لمحة تاريخية (تاريخ ما قبل الاستعمار، التاريخ المعاصر)
عرفت منطقة قالمة استيطان بشري واستقرار إنساني منذ فترات قديمة جدا وبقيت كذلك إلى يومنا الحالي، وهذا لما تملكه من ثروات طبيعية، مقالع الحجارة، مناجم، شبكة هيدروليكية وأراضي فلاحية خصبة وأخرى رعوية، ما جعلها منطقة جلب واستقطاب إنساني منذ القديم.
عرفت تسمية مدينة قالمة عدة تسميات، فمنهم من يرجعها إلى أسطورة ” لقى الماء” وهي تبقى أسطورة لا أكثر. أما كل من: سوتول، ملاكا (Malaca)، كلاما (Calama/ Kalama)، قالمة (Guelma)، هي تسميات مختلفة عبر العصور لمدينة واحدة لم يذكر إسمها القديم في أي خريطة من خرائط المسالك والمصادر القديمة، ربما اسم مدينة قالمة حسب كل من الباحث أ. جوداس. Judas) A) وشابو (Chabot JB) فهي تتمثل عموما في قراءة اسم ملاكا (Malaca) من طرف اللاتينيين من اليمين إلي اليسار أي كلاما C/Kalama)، علما أن الأمر يتعلق بالملكية (Royauté) باللغة البونية استنادا إلي الجذر- MLK – التي تقرأ من اليمين إلي اليسار كما هو الحال في اللغات السامية و دون كتابة حروف العلة مثل ما هو في كل النقوش البونية، فملاكا الفينيقية هي كلاما اللاتينية، حيث أنها مدينة من المدن الملكية مثل عنابة ” هيبوريجوس ” وغيرها، لكن الأثري الفرنسي “س. قزال “يرى أنه لا أساس علمي لهذه الأطروحة.
ومن وجهة نظر جديدة لا يستبعد إرجاع التسمية إلى الأمازيغية بمختلف لهجاتها علما أن الرومان عادة ما يعيدون استعمال الأسماء المحلية كما هي أو بشيء من التحريف للتأقلم مع خصوصيات اللغة اللاتينية فالجذر أو مجموعة الحروف الصامتة التي تعبر على أساس كل كلمة (radical/groupe consonantique) GLM/ GLN يدل على كلمة أقلمام/ أقلميم/ أقلمان الذي في اللهجة الشاوية مثلا يعني الحوض أو السهل الزراعي الذي تحيط به الجبال.
فترة ما قبل التاريخ:
تعرف اصطلاحا بفترة ما قبل التاريخ وهي فترة ما قبل اكتشاف الكتابة، من شواهد هاته الفترة رسومات الفن الصخري المتواجدة على مستوى كل من منطقتي خنقة حجر وبرج الكانتولي ببلدية سلاوة عنونة. عبر من خلالها الانسان عن خلجاته وأفكاره، تتمثل في رسومات للإنسان والحيوانات التي استأنسها مثل الثور، الكبش، الكلب.
فترة فجر التاريخ:
هي فترة ما بين فترتي ما قبل التاريخ والفترة التاريخية، تعتبر فترة ما قبل اكتشاف الكتابة كذلك. من شواهدها المقابر الميقاليتية والشبه ميقاليتية المنتشرة في ربوع منقطة قالمة (الركنية، وادي شنيور بعين العربي، رأس الماء بعين صندل، مجاز الصفا، ….)، تتمثل هذه الشواهد في قبور الدولمان، الجثوات (التيميلوس)، الحوانيت.
فترة الممالك النوميدية:
منطقة قالمة كانت ضمن مملكة الماسيل التي كان نطاقها الجغرافي من وادي مجردة شرقا أي غرب إقليم قرطاجة إلى وادي ملوية غربا أي شرق جارتها مملكة الماسيسيل. لكن هذا النطاق الجغرافي غير ثابت على مر الأوقات. فكان ينقص ويزيد حسب قوة المملكة، فتارة يتسع وتارة أخرى يتقلص. شهدت العديد من الثورات المحلية ضد التدخل الأجنبي الروماني على الخصوص ثورات القائد يوغرطة، الذي مني على يده الجيش الروماني خسائر فادحة في العدة والأرواح بقيادة “بوستينيوس”” postinius”. كما يذكر بعض المؤرخين الرومان بأن كنز يوغرطة تم إخفاؤه في إحدى المناطق القريبة من مدينة قالمة وتدعى “سوتول”.
فترة الاحتلال الروماني:
كما سبق ذكره فإن مدينة قالمة ذات أصول محلية مرت بالعديد من مراحل وفترات حكم المحليين، ترقت إلى رتبة بلدة (municipium) عهد الإمبراطور الروماني تراجان في بداية القرن الثاني الميلادي، الذي أسس عدة مدن كمدينة تبورسيكوم نوميداروم (خميسة) وكلاما
وأصبحت مستعمرة شرفية (Colonie honoraire) بين بداية حكم الإمبراطور كركلا (211 م Caracalla) وسنة 283 طبقا للإشارة لأول مرة على نقيشة لاتينية من المدينة تعود إلى بداية عهد الإمبراطور كارينوس(283-285 Carinus). شهدت المنطقة تطورا ملحوظا خلال مرحلة حكم العائلة السيفيرية.
وتوجد بالإضافة إلى مدينة كالاما كل من: تيبيليس (سلاوة عنونة) التي كانت بمصف بلدية، زتارة (كاف بوزيون ببلدية بوحشانة) وهي كذلك كانت برتبة بلدية، قلعة بوعطفان (عين العربي)، بوبولوس تبربوزيتانوس (عين نشمة ببلدية بن جراح)، أكواي تيبيليطاناي(حمام دباغ) ….
كان وادي سيبوس هو الحد الفاصل بين مقاطعة البروقنصلية التي كانت عاصمتها قرطاج ونوميدية التي كانت عاصمتها سيرتا، إذن فمنطقة غرب قالمة الحالية كانت تخضع لمقاطعة نوميدياوشرقها خاضع لمقاطعة البروقنصلية.
فترة الاحتلال الوندالي:
تدهورت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمنطقة قالمة مثلها مثل باقي المدن التي لحقها دمار جراء الحروب التي خاضها الملك الوندالي جينسريك ضد الجيوش الرومانية.
جاء الوندال بمذهب ديني جديد وهو المذهب الأريوسي (أحد مذاهب الديانة المسيحية)، الذي كان ضد المذهب الكاثوليكي المتبع من طرف الأباطرة الرومان والامبراطورية الرومانية ككل، كانت مدينة قالمة في رتبة أسقفية من الناحية الدينية، يترأسها الأسقف “بوسيديوس”” possidius ” الصديق المقرب والكاتب الأمين لأستاذه القديس أوغسطين الذي شهد وفاته، ثم نفي بعد ذلك إلى “هيبوريجوس”(عنابة حاليا).
فترة الاحتلال البزنطيي:
بعد سقوط المملكة الوندالية، إسترجع البيزنطيون النفوذ فى المدينة التى كانت أنذاك مقر أسقفية بنوميديا وشرعوا تحت قيادة الإمبراطور جوستنيان والحاكم الجديد سولومون وبرعاية الكومتبولوس بحملة واسعة لترميم ما لحقه من خراب وتحصين عدة مدن منها كلاما ابتدأ من 539 باستعمال أحجار المباني القديمة وأستعلمت بقايا هذا التحصين كملجأ مؤقت للقوات الفرنسية التي شرعت في ترميمه سنة 1842 المعروف بسور الثكنة العسكرية حاليا.
فترة الاحتلال الفرنسي:
ومنذ ذلك الحين، ظلت ولاية قالمة ومنطقتها مهدا لمقاومة الاحتلال الفرنسي، من قايد القبلوطي بن طاهر، من همام نبيلس وسلف الكاتب كاتب ياسين إلى أحمد الشابي بن علي المعروف باسم “أحمد الروشي” ، من خلال معركة عجبة الطراب المجيدة ، عرفت المقاومة في المنطقة أفضل ما لديها من أمجاد.
لكن في 8 ماي 1945 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تميزت المنطقة بتضحياتها من أجل الثورة الجزائرية، التي طبعت بمذابح غير مسبوقة ارتكبها المحتل واستهدف المجتمعات المسلمة انتقامامنهم على احتجاجاتهم السلمية ضد الاحتلال.
بعد عشر سنوات، ستشكل النخبة الوطنية في بداية ثورة نوفمبر 1954 مطلبا حقيقيًا للقتال هز القوة الاستعمارية قبل كل شيء ، وستلعب دورًا رائدًا في تدفق الأسلحة من القاعدة الشرقية في تونس ، وعبور عناصر من جيش الشعبي الوطني.
وأخيرًا ، ستكون المنطقة مسرحًا لمعارك لا تُنس لا تزال تحتفظ بشواهدها، وإذا كان بوجمعة سويداني و رجل الدولة اللامع هواري بومدين من بين أبنائها المخلصين، فقد انضم البطل مختار باجي للاستشهاد على أراضيها.