الشهيد باجي مختار
المولد :
ولد “باجي مختار” يوم 17 أكتوبر 1919 بمدينة عنابة وسط أسرة من الطبقة البرجوازية المعروفة بالتقوى و الخصال الحميدة و العلم و الأدب.
أسرته:
الأم “ففاني بوزمود” من مواليد عنابة يوم 12 فيفري 1886 ، تنحدر من أسرة برجوازية عريقة و الوالد هو “حسان ” من مواليد 22 جويلية 1882 بضيعة خاصة بالعائلة بمدينة عنابة ، جده “حسان” المدهو “خليفة ” رجل فقه و أدب ، أما الأب فله من الثقافة العربية و الفرنسية ما أهله ليشتغل في المحاكم كــ” باشا عدل” في كل من عنابة و القل و الذرعان و أخيرا يستقر بسوق أهراس أين تمتلك هذه الأسرة ضيعة كبيرة محاطة بأراضي زراعيةواسعة تقدر بــ 40 آر تعرف “ببرج جوسي” القريبة من المستشفى المدني.
فقد أمه في سن الــ 08 ليتزوج أبوه للمرة الثانية من “يمينة رحمون ” بنت إحدى الأسر الريفية المشرفة على زاوية بني رحمون مقدمها الشيخ سي مسعود والد “يمينة”.
مختار هو أصغر إخوته مروان الأكبر فمحمد و 06 أخوات من الزوجه الثانية للأب ففي أحضان هذه الأسرة الكبيرة نشأ على ما ينشأ عليه أبناء البيوت العلمية و هي تقوم دائما على إستقامة السلوك و متانة الأخلاق.
تعليمة:
زاول تعليمه بمدرسة الأهالي Ecole picard و تخرج منها بشهادة التعليم الإبتدائي C.E.P عام 1934 و بعد عام يحصل على شهادة التعليم العالي الفرنسية من مدرسة التعليم العام.
و رغم قدراته و تفوقه و ذكائه الحاد لم يقع تحت سحر الإنبهار و التقدم العلمي للمدرسة الفرنسية التي مارست التمييز العنصري تجاه أبناء الأهالي مما جعله ينفر منها و يتأكد من أن جوهر الإستعمار مبني على الإستغلال و تحطيم الشخصية الجزائرية .فغير وجهته نحو مكتبة الأسرة لينهل منها من العلوم المختلفة ما يمكنه من بناء شخصية مميزة تمكنه من كفاح الإستعمار الفرنسي الذي نكد عليه صفوة حياته.
نضاله السياسي: للتنفيس عما يحمل في صدره إنخرط في صفوف الكشافة الإسلامية و بالضبط في فوج “الفلاح” الذي فتح المجال واسعا لتفجير طاقته و طموحاته و آرائه السياسية بعيدا عن الإنظار ، راح الشاب باجي مختار يربط بين علاقاته بشباب أمثالهّ، و من كل القطر الجزائر يشاطرونه نفس الآمال و التطلعات المستقبلية و يحملون نفس الآلام و يتقاسمون نفس الهموم .
كما إنخرط في صفوف “نادي الشبيبة الإسلامية ” الذي كان بمثابة فضاء رحب لمناقشة الحياة السياسية على مستوى الساحة الوطنية الجزائرية .
تعرف على الحزب الثوري P.P.A فأسرع إلى الإنخراط في صفوفه و كون أولى الخلايا بسوق أهراس برفقة كل من :
* هميسي لعلا( رئيس الخلية) * بــــاجي مختار ( عضو)
* بوعاتي علي( عضو) * دربالي حملاوي ( عضو)
* محمود ولد زاوية( عضو)
في هذه المرحلة الحرجة يستدعى “باجي مختار ” لأداء واجب الخدمة العسكرية الإجبارية . و لأنه يرى في ذلك خيانه للقضية الوطنية ، فكر في التملص من هذا الإلتزام و فرض على نفسه نظام حمية قاسي و صوم عنيف لإضعاف جسمه النحيف حتى صار لا يقوى على الوقوف .(حمله أهله على عربة يجرها حصان ، إلى لجنة الكشف الطبي التي قررت إعفاءه).
– هي فرصة سمحت له بالتفرغ النهائي للعمل النضالي في إطار حزب الشعب و مؤازرة الأسر الجزائرية التي تضررت من الحرب العالمية ( كل الإخوة يساهمون في تمويل مشاريعه الخيرية فخديجة تتبرع بمصوغاتها و كذا الإخوة محمد و مروان).
– إستغل باجي ظروف ح.ع.2 ليحتك بالجنود الألمان و يتعرف على خباياها عن قرب ( حادثة سقوط مروحية ألمانية مع طيارين ألمانيين داخل محيط ضيعة الأسرة ، فسارع رفقة أخته”منانه” بتقديم الإسعافات الأولية للطيارين و تخزين أسلحتهما بأسطبل الحيوانات) كما ضاعف مجهوداته لجمع السلاح و الذخيرة و كل ما يصلح للعمل العسكري .
في نفس هذه الضيعة إستقبل باجي مناضلين من مختلف ربوع الجزائر قصد مناقشة تطورات الأحداث على الساحة الوطنية ( زيارة أحمد بن بلة رفقة مناضلين أخرين عام 1924) و تكثيف التنقلات إلى قسنطينة على وجه الخصوص .
– يشارك في مظاهرات 08 مـــاي 1945 و يتأثر كثيرا من بشاعة القمع الذي لحق خصوصا بسكان قالمة المدينة المجاورة و يتأثر أكثر بإصابة إبن أخته الطفل الكشفي الذي كان يتقدم المسيرة رافعا العلم الوطني في مدينة عنابة .
– زاد إصراره على النضال رغم ما لحق بحزب الشعب من مطاردة و ملاحقة مناضليه ، مستغلا غطاء النشاط التجاري لإبعاد أعين الإدارة الفرنسية عنه . فراح يجوب المناطق لإعادة بعث خلايا الحزب الذي تجدد تحت تسمية M.T.L.D و دخل معترك الحياة السياسية بأن ترشح في الإنتخابات البلدية و فازت قائمته بشكل واسع عام 1946. هكذا مارس السياسة بشكل علني و في الخفاء أسندت له مهمة الإشراف على الجناح العسكري *L.O.S* مع كل من ” حسين كافي” و محمود ولد زاوية و يونس بن عصمان.
إضطلع بهذه المهمة على أحسن وجه مكرسا معارفه في تعبئة المناضلين و تكوينهم عسكريا و تهيئتهم نفسيا للعمل العسكري متخذا من الأماكن النائية ( إصطبل مهمل لعائلة” محمود ولد زاوية” و في الهواء الطلق في دوار عين عود على طريق غردماو أو داخل نفق للسكة الحديدية في نفس الموقع أو في مقبرة ميزالية تبعد 3 كم عن مدينة سوق أهراس ، مراكزا للتدريب على فنون القتال و إستعمال الأسلحة بمعية رفيقه محمود ولد زاوية و تحت إمرة قائد الناحية “محمد بن زعيم”
– كغيره من مناضلي O.S يتعرض باجي لإلقاء القبض عليه بمقهى الرياضة في شهر أفريل 1950 دون أن تتعرف الإدارة الفرنسية على باقي أعضاء الأفواج التي هي تحت قيادته.
سجنه:
بدأت سلسة إستنطاقه في عنابة التي إتسمت بإستعمال العنف للضغط عليه من أجل الوصول إلى قدر كبير من المعلومات . تعرض خلال فترة الإستنطاق إلى التعذيب الجسدي المكثف و المتكرر رغم ضعف بنيته الجسدية .
حول إلى سجن عنابة أين إلتقى بالعديد من مناضلي O.S و نسج معهم علاقات حميمية زادتهم إصرارا على التمسك بالعمل النضال لتحقيق النصر . فواضب على مناقشة الخطط العسكرية و زرع الحس الوطني في أوساط المساجين مع تقديم دروسا في محو الأمية .
في هذا السجن شهد عملية فرار زيغود يوسف وفقة سجناء آخريين يوم 21 أفريل 1951 و فضل البقاء في السجن حتى لا يكشف أمر البقية
الاعداد للثورة
بعد خروجه من السجن سنة 1953 يعاود ربط الاتصالات بمنناضلي M.T.L.D ” غير مبالي بمضايقات الادارة الفرنسية التي وضعته تحت المراقبة المكثفة
قصد الاعداد لتفجير للثورة:
-23/03/1954 : ينشا اللجنة الثورية للوحدة و العمل و التي كانت هدفها الكفاح المسلح .
– 25/07/1954 : يشارك في اجتماع مجموعة الـــ 22 بالمدنية ثم يعود الى سوق اهراس ليباشر التنظيمات و التحضيرات لتفجير الثورة ، و كون اول فوج عسكري اسندت قيادته اول الامر الى ” بدري محمد طرابلسي ” ثم الى “الحاج علي ، و عين رؤساء القطاعات كالاتي :
-عن الونزة : ابن زيني بوبكر – عن المشروحة : احمد امسرار
-عن بوشقوف : زنطار سليمان – عن الناظور : عبد الله نواورية
كما كون اللجان المحلية و تمثلت مهمتها في : التعبئة –التموين – الاتصال – المراقبة ، و على راسهم : حريريشقدور – حمايدية حسن – بوطياب التجاني – ابن غزة قدور – نوري عبد الكريم- حمادة محمد الصالح – بوحوش الطيب .
حدث قبل اندلاع الثورة بايام ان توجه باجي مختار الى مدينة عنابة قصد الحصول على خريطة عسكرية و بعض التجهيزات و اللوازم فالقى عليه القبض من طرف الشرطة الفرنسية ليحققوا معه عن سبب شراء بعض التجهيزات مثل الالة الراقنة ، و عندما تستطع الشرطة الفرنسية ان تعثر على دليل تدينه به ، ىاطلقت سراحه في 31 اكتوبر 1954 ليعود مباشرة الى سوق اهراس و يعلمه “الطيب شوشان” بقدوم “ديدوش مراد” الى الناحية و يبلغه بالتعليمات ، و هكذا تاخر باجي مختار في تفجير الثورة ليلة اول نوفمبر 1954 .
العمليات العسكرية :
الهجوم على مننجم البرنوس : يوم 06/11/1954 بعد ان تم عزل هذا المنجم و ذلك بقطع اعمدة الهاتف و الاسلاك الكهربائية الموصلة اليه وقع الهجوم على المنجم و اخرج مديره من بيته دون مقاومة و قدم له قائد الفوج باجي مختار نفسهعلى انه ينتمي الى تنظيم جبهة التحرير الوطني المؤطرة للثورة التحريرية و قام بالاستلا ء على بعض المعدات و بندقية موزار و مسدس و خراطيش و متفجرات و فتيل مفجر للالغام و مبلغ مالي قدره 4000.00 فرنك قديم ثم سلم مختار وصلا مختوما بختم جيش التحرير الوطني.
تحطيم الجسر الرابط بين سوق اهراس و المشروحة :
بعد الهجوم على منجم البرنوس توجه الفوج الى عين سنور و ذلك لتهديم الجسر الذي يربط بين سوق اهراس و المشروحة عن طريق السكة الحديدية
تحطيم الجسر الرابط بين عين تحميمين و عين نفرة :
في يوم 17/11/1954 تسلم فوج باجي معلومات من طرف ” جبران مبروك” رئيس محطة القطار للمشروحة تفيد بان قطار ينقل عساكر قادمة من عنابة و متجهة نحو سوق اهراس
في نفس اليوم تحرك المجاهدون بسرعة نحو الجسر و لغموه بالمتفجرات لكن القطار المنتظر لم يمر بل مر قار اخر محمل بالمعادن فخرج القطار عن السكة و انقلب .
اشتباك بمزرعة دالي بن الشواف
بعد تنفيذ العملية السابقة انسحب باجي و من معه الى الى مزرعة دالي بن الشواف قرب مجاز الصفا و في منتصف ليلة 18 نوفمبر 1954 تحركت قوات العدو و طوقت المزرعة و هذا على اثرل وشاية من الخونة ، فحدث اشتباك بين الطرفين و استخدمت فيه القوات الفرنسية الاسلحة الاوتوماتيكية و مدافع الهاون و طائرة حربية
انتهت المواجهة بسقوط باجي مختار شهيدا في ميدان الشرف و الى جانبه كل من : طرابلسي محمد ، عنتر مسعود ، محمد لندوشين و اخرون و استشهدت معهم فتاة في السادسة عشر من عمرها هي ” شايب دزاير ” فكانت اول شهيدة جزائرية .
و تم اسر : بكوش محمد ، طيبي ابراهيم ، هوام ابراهيم ، حجار السعيد ، بوقصة العيفة ، روابحية لخضر ، حراث شعبان ، كليعي الطاهر ، سنبل محمد لخضر ، و نجى من المعلركة عبد الله نواورية و بلقاسم كركوب .
مواقف تاريخية للشهيد :
من بين مواقف باجي مختار الانسانية انه بعد استلائه على منجم قرية برنوس قال للفرنسيين الذين كانوا يديرون المنجم ( لا تخافوا فنحن لا نحاربكم كاشخاص ، انما نحارب الاستعمالر الفرنسي ) ، فكانت لهذه الكلمات اثر جيد في نفس المسيرين لهذا المنجم ، مما ازال دهشتهم و قلقهم و جعلهم يكتشفون نفسا جزائرية كريمة رحيمة مع من يريد لها الخير قوية شديدة على من يريد اهانتها
و هكذا عاش باجي مختار ببغض الاستعمار و يدافع من اجل المثل العليا و القيم الفضلى التي هي قيم و مثل الشعب الجزائري.